فصل: حكمها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب اللباب في بيان ما تضمنته أبواب الكتاب من الأركان والشروط والموانع والأسباب



.الأول: في الضمان:

ويد المودع يد أمانة، فلا ضمان عليه إذا تلف إلا أن يقصر في الحفظ أو يتسبب في ذلك أو يباشر.
والأسباب المتضمنة لذلك عشرة:
الأول: أن يودعها عند من لم تجر عادته بحفظ ماله من غير عذر، فله أن يودعها عند عياله الذين يأمنهم على حفظ ماله، وليس عليه أن يشهد عليهم لجريان العرف بعدم الإشهاد عليهم، وله أن يودع لعذر عند العجز عن الرد كخوف عورة منزل أو لسفر إذا أودع في الحضر، إذ لو سافر بها مع القدرة على إيداعها عند أمين ضمن، ولو سافر بها عند العجز عن ذلك كما لو كان في قرية مثلاً لم يضمن، وكذلك لو دفنها أو كان ذلك جهده لم يضمن ولو أودع في السفر لم يجز له أن يودعها.
قال ابن القاسم: إلا أن تضطره لصوص فيدفعها لمن يرجو نجاته بها لم يضمن، ولو طرحها عندما فجأته اللصوص لم يضمن ابن القاسم، ويصدق في أنه أودعها زوجه وإن لم تقم له بينة بذلك، ولا يصدق في أنه خاف عورة موضعه أو أراد سفرًا فأودعها لذلك.
الثاني: نقل الوديعة من بلد إلى بلد.
قال مالك في امرأة ماتت بالإسكندرية فكتب وصيها إلى ورثتها ببلد آخر، فلم يأته منهم أحد، فخرج بتركتها إليهم فهلكت في الطريق هو ضامن.
الثالث: خلطها بما لا تتميز عنه مما هو غير مماثل لها كالقمح مع الشعير، وكذلك لو خلط أحدهما بما هو أدنى منه، ولو خلط مع مثله فلم يره في المدونة متعديًا.
وقال عبد الملك: هو ضامن.
الرابع: الانتفاع مثل أن يلبس الثوب ويركب الدابة فيهلك في لبسه أو ركوبه، فلو ادعى أن الهلاك إنما وقع بعد ذلك لم يصدق، حكاه ابن سحنون في كتابه.
وقال محمد: إن شهدت البينة بلبسه أو بركوبه لم يصدق، وإن لم يعرف إلا من قوله: صدق.
الخامس: المخالفة في كيفية الحفظ شرعًا أو عرفًا، إلا أن يخالف إلى ما هو أحوط مما ليس فيه شهرة، فإن كان فيه شهرة ضمن، فلو أودعه صندوقًا وقال: لا تقفل عليه فقفل ضمن للشهرة.
وقال ابن عبد الحكم: إذا قال: اجعلها في تابوتك ولا تقفل عليها فقفل ضمن، وإذا قال: اقفل عليها قفلاً فقفل عليها قفلين لم يضمن، وقيل: يضمن، ولو قال: اجعلها في قلة فخار، فجعلها في قلة نحاس، ضمن، ولو عكس لم يضمن، ولو سلم إليه دراهم، وقال: اجعلها في وسطك، فجعلها في كمه أو جيبه ضمن، ولو قال: اجعلها في كمك فجعلها في وسطه أو عمامته لم يضمن، ولو دفعها إليه في المسجد فجعلها على نعله لم يضمن، قاله ابن وهب.
قال: ولو أخذ نعليه فنشرهما ناسيًا ضمن، ولو قام ونسيها، فقال ابن حبيب: يضمن، وخرج نفي الضمان من أحد القولين فيمن أودع مائة وادعاها رجلان ونسي أيهما أودعه.
السادس: التسبب مثل أن يدل عليها سارقًا أو يسعى بها إلى ظالم أو يلقيها بمضيعة ولو أودع بقرًا فأنزى عليها فماتت من الولادة أو زوج الأمة فماتت من الولادة، وكذلك لو عطبت تحت الفحل.
وقال أشهب: لا يضمن؛ لأنه فعل صلاحًا ولو استهلك الوديعة ولده الصغير، فهي في ماله، فإن لم يكن له مال فهي في ذمته، ولو استهلكها عبده فهي في رقبته، ولو أنفق الوديعة على أهل المودع وولده ضمن، إلا أن يقيم بينة على ذلك، ويكون ما أنفق ينفق نفقتهم ولم يكن المودع يبعث إليهم فيبرأ.
السابع: الجحود وإذا طلبه بالرد فجحد الإيداع فقامت عليه البينة بذلك فادعى الضياع ضمن، فإن قامت له بينة ففي قبول ذلك قولان المشهور عدم القبول ولو قال: لا يلزمني تسليم شيء إليك قبل قوله في الرد والتلف.
الثامن: الامتناع من التسليم.
قال ابن القاسم فيمن طلب وديعته فقال له المودع: أنا الآن مشغول، فلم يعذره وتشاحا فيحلف أن لا يعطيها الليلة، فلما كان من الغد قال: ضاعت مني.
قال ابن القاسم: فإن قال: ذهبت قبل أن تلقاني ضمن؛ لأنه أقر بها، وإن قال: لا أدري متى ذهبت فلا ضمان عليه.
قال أصبغ: ويحلف ما علم بذلك حتى طلبه.
قال ابن القاسم: ولو قال: ذهبت بعدما حلفت وفارقتك، ضمنها إلا أن يكون عليه في رجوعه ضرر أو يكون في أمر لا يستطيع معه أن يرجع، فلا يضمن.
التاسع: عدم الإشهاد عند الموت، وإذا مات المودع ولم يشهد بشيء، فإن كان ربها لم يأذن له في دفعها لأحد فهي في تركته، وإن كان أمره أن يدفعها لأحد وكان موته في الطريق أو بعد الوصول، وقال المبعوث إليه: لم يصلني شيء، فقال مالك في المدونة: إن كان موته بعد أن وصل فلا ضمان عليه، وإن كان في الطريق فما أجد أن تكون في ماله.
وقال في الموازية بالعكس.
وقال أشهب: يضمن مطلقًا، إذ لو كان حيًا فقال: دفعتها، بم يصدق، ابن القاسم إذا ترك ودائع ولم يوص بها فوجدت صور مكتوب عليها: هذه لفلان وفيها كذا ولا بينة على إيداعه فلا شيء له إلا ببينة أو إقرار الميت، إذ قد يصانع أهل الميت وإذا بعث رسولاً بمال إلى فلان فوجده الرسول قد مات، فإن علم الرسول أن ذلك من دين ذهب به إلى ورثته ولو علم أنها من هبة أو صدقة لم يدفعها كان الميت الباعث له أو المبعوث.
العاشر: التجارة وإذا تجر المودع بالوديعة تعلقت بذمته والربح له والخسارة عليه.
تنبيه:
هل يجوز له أن يتسلف الوديعة؟ أما أن كان عديمًا فلا يجوز قولاً واحدًا، وإن لم يكن عديمًا فإن كانت دنانير فأربعة: الكراهة في المدونة، والمنع لمالك أيضًا، والجواز رواه أشهب إذا أشهد بذلك، والتفرقة فإن كانت مربوطة أو مختومًا عليها لم يجز، وإلا جاز.
قال عبد الملك: وإن كانت من المتقومات لم يجز، وإن كانت من المثليات التي يكثر اختلافها كالكتان لم يجز، وإلا فقولان، وإذا تسلف ثم أراد أن يرد إلى الأمانة لم يجز في المتقومات، وأما العين والمثليات فأربعة الضمان رواية المدنيين ونفيه لمالك أيضًا، وبه أخذ ابن القاسم والتفرقة فإن ردها بإشهاد برئ، وإلا فلا، قاله مالك، وبه أخذ ابن وهب، والتفرقة أيضًا فإن كانت مربوطة أو مختومة لم يبرأ وإلا برئ، قاله ابن حبيب وعبد الملك.

.الفصل الثاني: في التنازع:

وإذا تنازعا في الإيداع لم يقبل قوله إلا ببينة، ولو قال: هي وديعة، وقال ربها: سلف، صدق ربها عند ابن القاسم.
وقال أشهب: إن لم يحرك المال حتى ادعى الضياع، فالقول قوله، وإن تلف بعد أن حركه، فالقول قول ربه، ولو قال: دفعت إلى ألف وديعة.
وقال ربها: بل غصبتنيها، فالمطلوب مصدق في إجماعهم إذا لم يقر بحركة، وإذا ادعى الرد فالقول قوله إن قبضها بغير بينة ويحلف، وإن قبضها ببينة فقال ابن رشد: قول مالك وجميع أصحابنا ابن القاسم وغيره أنه لا يصدق حاشا ما رواه أصبغ عن ابن القاسم في دعوى المستأجر رد ما استأجره من العروض قبض ذلك ببينة أو بغير بينة، ولا فرق، وحكى ابن شاس ذلك نصًا عن ابن القاسم في الوديعة.

.كتاب العارية والعدة:

.العارية:

العارية: بتشديد الياء، تمليك منافع عين بغير عوض.

.حكمها:

الندب.

.حكمة مشروعيتها:

تزكية النفس وتطهيرها من داء البخل واستجلاب المحبة وإبقاء المودة.

.أركانها:

أربعة: الصيغة، والمعير، والمستعير، والمعار.

.الأول: الصيغة:

لفظ أو ما يقوم مقامه يدل على تمليك منافع عين بغير عوض. ثم إن صدرت مطلقة مثل أن يقول أغيرك هذه الأرض أو هذه الدار أو هذه الدابة ولم يزد، فحكى ابن شاس أن ذلك لازم بالقول والقبول، وليس له رجوع حتى ينتفع بها الانتفاع المعتاد في مثلها.
وقال أشهب: المعير بالخيار في تسليم ذلك أو إمساكها، ثم إن سلمه فله أن يرده وإن قرب.
وقال أبو الفرج: ما روي في لزوم العارية بالقول إنما هو فيما عدا الأرضين وإن صدرت مقيدة مثل أن يقول: أعرتك هذا العبد ليخدمك شهرًا أو ليخيط لك ثوبًا فهي لازمة، وتنقضي بانقضاء الشهر وخياطة الثوب، وليس له رجوع إلا بانقضاء ذلك، وإذا أعاره أرضًا وسمى له أجلاً ولم يسم ما يبني أو يغرس فله منعه مما يضر أرضه، وإذا بنى ثم أراد أن يقلع بناءه قبل الأجل فله ذلك إلا أن يمنعه رب الأرض ويريد أن يأخذه بعد الأجل بقيمته مقلوعًا كما يكون له ذلك بعد الأجل، ثم إذا أخذه بقيمته مقلوعًا فتعتبر تلك القيمة بعد طرح قيمة القلع وإلا خلى، فإن كان المستعير يتولى ذلك بنفسه لم يطرح له قيمة ذلك، وما لا قيمة له بعد القلع كالجص لم يكن فيه شيء.
وقال مطرف وابن الماجشون: كل من بنى أو غرس في أرض قوم بإذنهم أو بعلمهم فلم يمنعوه ولا أنكروا عليه فله قيمة ذلك قائمًا كالباني بشبهة وأخذ ابن القاسم بقول مالك الأول.

.الثاني: المعير:

مالك للمنفعة غير محجور عليه، فتصح من المستعير والمستأجر.

.الثالث: المستعير:

من فيه أهلية الانتفاع.

.الرابع: المستعار:

يشترط أن تكون المنفعة فيه مباحة، وأن تبقى عينه بعد استيفاء تلك المنفعة، فلا تصح إعارة الجارية للوطء، ولا تصح إعارة المسلم للذمي، ولا إعارة السلاح للعدو، ولا الدابة لمن يركب عليها لأذية مسلم، ولا تصح إعارة الطعام لأن عينة غير باقية، فإن سمى ذلك عارية فهو قرض.

.اللواحق:

تنحصر في فصلين:

.الأول: في الضمان:

اختلف العلماء في الضمان في العارية، فذهب الشافعي ومالك في أحد قوليه، وبه قال أشهب، إلى الضمان مطلقًا، وإن قامت بينة على التلف كانت مما يغاب عليه أو لا، وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا ضمان عليه مطلقًا، وقيل: لا ضمان عليه إلا أن يشترط عليه الضمان، حكاه ابن شعبان وعابه، والمشهور من مذهبنا أنه يضمن ما يغاب عليه أن لم تقم له بينة دون ما لا يغاب عليه أو ما قامت بتلفه بينة من غير ضيعة، فيقبل قوله في الرابع والحيوان ما لم يظهر كذبه وما لم يعلم أنه من غير ضيعة كالسوس صدقه فيه في الموازية.
قال التونسي: وكذلك الفأر على هذا يقرض الثوب.
وقال اللخمي: يضمن فيهما؛ لأن السوس إنما يكون من الغفلة عن اللباس، والفأر لا يكون إلا لأمر من اللابس مثل أن يعمل فيه طعامًا، وإذا شرط المستعير أنه مصدق في تلف ما يغاب عليه، فقال ابن القاسم وأشهب: له شرطه، ولا شيء عليه.
وقال سحنون فيمن أعطى لرجل مالاً يتجر فيه وله ربحه ولا ضمان عليه: هو ضامن.
قال اللخمي: وعلى هذا فيسقط شرطه فيما يغاب عليه، ثم حيث قلنا بالضمان، فهل يضمن قيمته يوم العارية أو يوم الضياع، قولان مخرجان من ضمان الرهان. وقد قال ابن القاسم: يضمنه يوم الرهن.
وقال أيضًا: يوم الضياع.
قال التونسي: وإنما يضمن الرقبة ما لا نقص بالاستعمال المأذون فيه.

.الفصل الثاني: في التنازع:

وإذا اختلفا في أصل العارية، فيقول هذا: أعرتك كذا، وينكر الآخر، فالمالك مدع ولو قال رب الدابة: أجرتك، وقال الآخر: أعرتني، فالقول قول المالك مع يمينه، ولو قال: أعرتني هذه الدار، وقال ربها: بل بعتها منك أو قال اشتريها، فقال: بل أعرتكها فالقول قول مدعي العارية.

.العدة:

العدة المطلقة غير لازمة، قال ابن القاسم: قال مالك فيمن سأل رجلاً أن يهب له دينارًا، فقال: نعم أنا أفعل ثم بدا له ما أراه: يلزمه ولو صبر الغريم على وعيد منه وأشهد بذلك لزمه، وقيل لسحنون: ما الذي يلزم من العدة؟ قال: أن يقول الرجل للرجل اهدم وأنا أسلفك وكذلك كلما أدخله فيه لوعده فإنه يلزمه.

.كتاب الغصب والتعدي:

حقيقة الغصب: في اللغة: أخذ المال بغير رضاء صاحبه، وكذلك التعدي سرًا كان أو جهرًا اختلاسًا أو سرقة أو خيانة.
وشرعًا: الاستيلاء على أمر عدوانًا جهرًا من غير حرابة والفرق بينه وبين التعدي أن التعدي جناية على بعض السلعة والغصب جناية على جميعها، ولأن المتعدي ضامن يوم التعدي؛ لأن يده كانت عليها بإذن ربها قبله والغاصب ضامن يوم الغصب، وأيضًا فالمتعدي إذا أتى بها سالمة ضمنها والغاصب إذا أتى بها سالمة لم يضمنها وأيضًا فالمعتدي لا يضمن إلا في الفساد الكثير والغاصب يضمن في اليسير، وأيضًا فالمعتدي يلزمه كراء ما تعدى عليه وأجرته بكل حال عند مالك، وقال في الغاصب: لا كراء عليه، وقد قال ابن القاسم: إذا غصب دابة ليسافر بها سفرًا بعيدًا ثم ردها بحالها لم يلزمه سواها بخلاف تعدي المكتري والمستعير بها في الجميع قولان.

.حكمه:

التحريم لصيانة الأموال وحفظ الجنس من تولد الأحقاد وسفك الدماء.

.أركانه:

ثلاثة: الغاصب، والمغصوب، والمغصوب منه.

.الأول: الغاصب:

وهو من ليس له شبهة في المال، فمن أخذ مال ابنه قهرًا لا يعد غاصبًا.

.الثاني: المغصوب:

شرطه أن يكون معصومًا، فلو غصب خمرًا لمسلم لم يضمن ويضمنها للذمي.

.الثالث: المغصوب منه:

من له حرمة فمن أخذ مالاً لمحارب لا يقال مغصوب منه بخلاف الذمي.

.اللواحق:

تنحصر في فصلين:

.الأول: في الضمان:

ويتعلق النظر فيه بالموجِب والموجَب.
الموجِب ثلاثة أقسام: مباشرة وتسبب ووضع يد.
الأول: المباشرة: كالقتل والإحراق ولا يشترط العلم، فإن من غصب طعامًا فقدمه لضيف فأكله ظنًا منه أنه للمقدم، فإنه يضمنه ولو قدمه لربه فأكله ولم يعلم أنه الطعام المغصوب برئ.
وقال مطرف فيمن جلس على ثوب رجل في الصلاة فقام صاحب الثوب وهو تحت الجالس فانقطع أنه لا يضمن، قال: وهذا مما لابد للناس منه. وأفتى ابن رشد في رجل أسند جرة من زيت إلى باب رجل ففتح الباب الرجل فانكسرت الجرة أنه لا يضمن.
القسم الثاني: التسبب: مثل أن يحفر بئرًا في محل عدوانًا فيتردى فيها إنسان أو بهيمة فإنه يضمن ولو وقف عليها إنسان فأراده آخر، فالضمان على المردي تقديمًا للمباشرة، ومن أوقد نارًا لعمل فترامت النار، فأحرقت زرع رجل في أندره ضمن ولو أوقدها على بعد من الأندر في موضع مأمون لم يضمن ولا حد في القرب والبعد، وينظر ذلك في أهل المعرفة، ثم حيث قلنا بالضمان ففي المتيطية يضمن مكيلته، وذلك عندي على أنها عرفت وإلا فقد قال من استهلك طعامًا لا يعرف كيله فعليه قيمته.
الثالث: وضع اليد: وهو في المنقول بالنقل، وفي العقار بالاستيلاء.
الموجَب: ما يترتب على الغاصب وهو الأدب والضمان وحكم الغلة.
الأول: الأدب: وهو على قدر الاجتهاد.
الثاني: الضمان: اعلم أن المغصوب نوعان: عين ومنفعة.
النوع الأول: العين: اعلم أن العين المغصوبة إما أن تكون قائمة أو فائتة، فإن كانت قائمة ووجدها ربها بيد الغاصب أو غيره، فله أخذها إذا وجدها في محل الغصب، ولم تدخلها زيادة ولا نقصان، فإن نقلها الغاصب إلى بلد وهي طعام فثلاثة.
قال ابن القاسم: ليس له إلا مثلها في محل الغصب، وقاله أشهب، وقال أشهب أيضًا: إن شاء أن يأخذها هنالك فله ذلك.
وقال أصبغ: إن كان البلد بعيدًا فليس إلا مثلها في الغصب، فإن كان قريبًا فله أخذها، وإن كانت ثيابًا أو حيوانًا، فقال سحنون: ليس له إلا أخذ متاعه.
وقال أصبغ: هو بالخيار. وقيل له: الخيار في العروض دون الحيوان، وحمل ابن رشد ذلك على الحيوان الذي لا يحتاج إلى كراء مال، وأما الرقيق فإنه يحتاج إلى الكراء، فيكون كالعروض وإن دخلها زيادة وكانت في الثمن فكالعدم، وإن كانت في البدن كالصغير يكبر والمهزول يسمن، فليس له غيرها، وإن كانت في الصفة وتغير اسمها فهو كفوات عينها، مثاله أن يغصب خشبة فيعملها بابًا أو ترابًا فيضربه لبنًا، وإن كانت الزيادة كالبناء والغرس والصبغ، فأما البناء والغرس فإذا غصب عرصة فبناها أو أرضًا فغرسها فلربها أخذها وأخذ البناء والغرس بقيمته مقلوعًا أو يأمره بقلع ذلك وما لا قيمة له بعد النقض كالجص والنقش فلا شيء فيه، وأما الصبغ فربه بالخيار في أخذ قيمته يوم الصبغ أو أخذه ودفع قيمة الصبغ ولو نقصه الصبغ، فقال ابن القاسم: يخير في أخذه بغير قيمة الصبغ أو أخذ قيمته وقال: إذا قطع الثوب وخاطه أو رفاه لم يدفع له شيئًا.
وقال أشهب: لا يدفع للصبغ شيئًا، وقاله ابن الماجشون في الصبغ والخياطة والصياغة، قال: وليس لعرق ظالم حق.
تنبيه:
إذا اشترى ثوبًا فصبغه ثم رده بعيبه رجع بما زاد فيه الصبغ وإن صبغه غلطًا رجع بما أنفق فيه وإن غصبه واستحق رجع بقيمته، وكذلك إذا لبس رب الثوب، فإن الصباغ يرجع بقيمة الصبغ، وهذا كله على المشهور، وإن دخلها نقصان فإن كان في الثمن بحوالة الأسواق لم يعتبر على المشهور، وإن كان في البدن وعاد بزيادة كالعبد يخصيه فيزيد فله أخذه ولا شيء عليه للنقص غير الأدب وإن عاد بنقص فإن كان بسماوي خير ربه في أخذه معيبًا وأخذ قيمته يوم الغصب، وإن كان بجناية جان فله أن يأخذ القيمة من الغاصب يوم الغصب ويتبع الغاصب الجاني، ولو كان الجاني هو الغاصب فلربها أخذها وما نقصها يوم الجناية أو أخذ قيمتها يوم الغصب وإن كانت فائتة وهي من ذوات الأمثال فعليه مثلها في موضع الغصب واختلف في الحلي والغزل، فقيل: هما كغيرهما من الموزونات وقيل: عليه قيمة الحلي والغزل؛ لأن الصياغة كسلعة أضيفت إلى عين والغزل تختلف فيه الأغراض، وربما تعذر مثله وما كان من الطعام مجهول الكل ضمن قيمته، فإن كانت من ذوات القيم فعليه القيمة، ثم إن كان التلف بسماوي فالقيمة يوم الغصب.
وقال أشهب: يضمنها بأرفع القيم ما بين يوم الغصب ويوم التلف، وإن كان بجناية الغاصب ضمنها يوم الغصب، ولو قتل الجارية أجنبي وقيمتها يوم القتل أكثر فله أخذ القاتل بتلك القيمة، وإن كانت أقل وأخذها من القاتل رجع بتمام القيمة على الغاصب.
وقال سحنون: لا يرجع على الغاصب بشيء كما لو باعها الغاصب، فليس لربها أخذ الثمن ويرجع على الغاصب بتمام القيمة.
تنبيه:
إذا سوق السلعة فأعطاه فيها غير واحد ثمنًا، ثم استهلكها رجل، قال مالك في رواية ابن القاسم: يضمن ما أعطي فيها.
وقال سحنون: لا يضمن إلا قيمتها.
وقال عيسى: يضمن الأكثر.
النوع الثاني: المنفعة: وهي ضربان: منفعة بضع، ومنفعة عين.
الضرب الأول: منفعة البضع: فإذا غصب حرة فعليه مع الحد لكل حرة وطئها مهر المثل، وعليه للأمة ما نقصها وولده رقيق لسيدها.
الثاني: منفعة العين: فإن استوفاها فعليه قيمتها، وإن لم يستوفها كالدار يغلقها والأرض يبورها فقولان: الضمان لابن الماجشون ومطرف واصبغ وابن عبد الحكم، ونفيه لابن القاسم.
تنبيه:
إذا أخرج الغاصب المغصوب من يده، فإن كان من حصل بيده عالمًا بالغصب فحكمه حكم الغاصب، وإن كان جاهلاً فليس عليه شيء سكن أو زرع أو اكترى، ولا شيء على الغاصب من حين باع على المشهور، وفي الرجوع على الغاصب الواهب قولان.
الثالث: حكم الغلة: وما ينشأ عن العين المغصوبة ثلاثة: قسم متولد على صورته كالولد، ولا خلاف أنه يرد مع الأم، وقسم متولد على غير صورته كالثمار والصوف واللبن، فإن كانت العين قائمة، ففي وجوب رد غلتها قولان، وإن كانت فائتة خير في أخذ قيمتها خاصة أو أخذ غلاتها. وقسم غير متولد، ففيه خمسة، المشهور الضمان مطلقًا، وهو رواية ابن زياد وأشهب، ونفيه مطلقًا حكاه ابن القصار، والضمان في غلة الربع والإبل والغنم دون غلة الدواب والعبيد، رواه ابن القاسم، والضمان فيما اشتغل دون ما لم يشتغل، قاله ابن القاسم، والضمان فيما لا يسرع إليه التغير كالدور والأرضين والنخل دون ما يسرع إليه كالدواب والعبيد والحيوان، قاله ابن المعدل.